فصل: (سورة الجاثية: الآيات 1- 6).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال عمرو بن قميئة:
رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى ** فكيف بمن يرمي وليس برام

فلوأنَّها نَبلٌ إذًا لاتقيتها ** ولكنني أرمي بغير سهام

على الراحتين مرة وعلى العصا ** أنوء ثلاثًا بعدهنْ من قيامي

وروي إنّ الشعببي دخل على عبد الملك بن مروان وقد ضعف. فسأله عن حاله. فأنشده هذه الأبيات:
فاستأثر الدهر الغداة بهم ** والدهر يرميني ولا أرمي

يا دهر قد أكثرت فجعتنا ** بسراتنا ووقرت في العظم

وتركتنا لحم على وضم ** لوكنت تستبقي من اللحم

وسلبتنا ما لست تعقبنا ** يا دهر ما أنصفت في الحكم

وأنشدنا أبو القاسم السدوسي. أنشدنا عبد السميع بن محمد الهاشمي. أخبرنا أبو الحسن العبسي لإبن لنكك في هذا المعنى:
قل لدهر عن المكارم عطل ** يا قبيح الفعال جهم المحيا

كم كريم حططته من بقاع ** ولئيم ألحقته بالثريا

قال أبو عبيده: وناظرت بعض الملاحدة. فقال: إلاّ تراه يقول: فإنّ الله هو الدهر. فقلت له: وهل كان أحد يسب الله في أياد الدهر. بل كانوا يقولون كما قال الأعشى:
استأثر الله بالوفاء وبالعدل ** وو لى الملامة الرجلا

قال: فتأويل قوله صلى الله عليه وسلم «إنّ الله هو الدهر». إن الله جل ذكره هو الذي يأتي بالدهر والشدائد والمصائب فإذا سببت الدهر وقع السب على الله تعالى لأنه فاعل هذه الأشيئاء وقاضيها ومدبرها.
وقال الحسين بن الفضل: مجازه: فإنّ الله هو مدهّر الدهور.
وروي عن علي رضي الله عنه في خطبة له: مُدهّر الدهور. ومن عنده الميسور. ومن لدنه المعسور.
ودليل هذا التأويل ما أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن النيسابوري. حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن الحسن الكارزي. حدثنا أبو عبد الله محمد بن القاسم الجمحي. حدثنا عسر بن أحمد. قال: بلغني إنّ سالم بن عبد الله بن عمر كان كثيرًا ما يذكر الدهر. فزجرهُ أبوه عبد الله بن عمر. وقال له: يا بني إياك وذكر الدهر. وأنشد:
فما الدهر بالجاني لشيء لحينه ** ولا جالب البلوى فلا تشتم الدهرا

ولكن متى ما يبعث الله باعثًا ** على معشر يجعل مياسيرهم عُسْرَا

وأنشدنا أبو القاسم الحبيبي. أنشدنا الشيخ أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني. أنشدنا معاذ بن نجدة بن العريان:
دار الزمان على الأمور فإنّه ** إن لحدا أزراك بالآلام

وذوالزمان على الملام فإنما ** يحكي الزمان مجاري الأقلام

يُشكى الزمان ويستزاد وإنّما ** بيد المليك ساند الأحكام

وأنشدنا الأستاذ أبو القاسم. أنشدني أبي. أنشدني أبو علي محمد بن عبد الوهاب الثقفي:
يا عاتبَ الدهر إذا نابَهُ ** لا تلم الدّهر على عذره

ألدهر مأمور له امرٌ ** وينتهي الدهر إلى أمره

كم كافر أمواله جمة ** تزداد أضعافًا على كفره

ومؤمن ليس له درهم ** يزدادا ايمانًا على فقره

{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آياتنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قالواْ ائتوا بِآبائنا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُلِ الله يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إلى يَوْمِ القيامة} يعني ليوم القيامة.
{لاَ رَيْبَ فِيهِ ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ وللَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ المبطلون وترى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} مجتمعة مستوفرة على ركبها من هول ذلك اليوم. وأصل الجثوة الجماعة من كلّ شيء.
قال طرفة يصف قبرين:
ترى جثوتين من تراب عليهما ** صفائح صم من صفيح مصمد

أخبرنا ابن فنجويه. حدثنا عبد الله بن يوسف. حدثنا موسى بن محمد الحلواني. حدثنا يعقوب بن إسحاق العلوي. حدثنا عبد الله بن يحيى الثقفي. حدثنا أبو عران. عن عاصم الأحو ل. عن ابن عثمان النهدي. عن سلمان الفارسي. قال: في القيامة ساعة هي عشر سنين يكون الناس فيها جثاة على ركبهم حتّى إبراهيم (عليه السلام) لينادي «لا أسألك اليوم إلأنفسي».
{كُلُّ أمَّةٍ تدعى إلى كِتَابِهَا} الّذي فيه أعمالها.
{اليوم تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ هذا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بالحق} فيه ديوان الحفظة وقيل اللوح المحفوظ.
أخبرنا ابن فنجويه. حدثنا عمر بن نوح البجلي. حدثنا أبوخليفة. حدثنا عثمان بن عبد الله الشامي. حدثنا عقبة بن الوليد. عن أرطأة بن المنذر. عن مجاهد. عن ابن عمر. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول شيء خلق الله القلم من نور مسيره خمسمائة عام. واللوح من نور مسيره خمسمائة عام. فقال للقلم: إجر فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة. بردها وحرها. ورطبها ويابسها. ثمّ قرأ هذه الآية {هذا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بالحق}».
{إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} قال: وهل يكون النسخ إلاّ من كتاب قد فرغ منه. ومعنى نستنسخ يأمر بالنسخ. وقال الضحاك: نثبث. السدي نكتب. الحسن: نحفظ.
{فَأَمَّا الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ} جنّته {ذَلِكَ هو الفوز المبين} الظفر الطاهر.
{وَأَمَّا الذين كفروا} فيقال لهم: {أَفَلَمْ تَكُنْ آياتي تتلى عَلَيْكُمْ فاستكبرتم وَكُنتُمْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ الله حَقٌّ والساعة لاَ رَيْبَ فِيهَا} قرأه العامة بالرفع على الابتداء وخبره فيما بعده ودليلهم قوله: {إِنَّ الأرض للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128].
قرأ أبو رجاء وحمزة {والساعة} نصبًا عطفًا بها على الوعد لا ريب فيها.
{قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا الساعة إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} إنّها كائنة.
{وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ} أي جزاؤها.
{وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ وَقِيلَ اليوم نَنسَاكُمْ} نترككم في النّار.
{كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هذا} كما تركتم الإيمان بيومكم هذا.
{وَمَأْوَاكُمُ النار وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتخذتم آيات الله هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الحياة الدنيا فاليوم لاَ يُخْرَجُونَ}. قرأه العامة بضم الياء. وقرأ أهل الكوفة إِلاَّ عاصم بفتحة.
{مِنْهَا ولا هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ} يسترضون.
{فَلِلَّهِ الحمد رَبِّ السماوت وَرَبِّ الأرض رَبِّ العالمين} قرأه العامة بكسر (الباء) في ثلاثتها. وقرأ ابن محيصن رفعًا على معنى هو رب.
{ولهُ الكبرياء فِي السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم}. اهـ.

.قال الزمخشري:

سورة الجاثية مكية إلا آية 14 فمدنية. واياتها 37 وقيل 36 آية. نزلت بعد الدخان.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

.[سورة الجاثية: الآيات 1- 6].

{حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لآيات لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آيات لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آيات لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آيات اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وآياته يُؤْمِنُونَ (6)}.
{حم} إن جعلتها اسما مبتدأ مخبرا عنه بـ: {تَنْزِيلُ الْكِتابِ} لم يكن بدّ من حذف مضاف. تقديره: تنزيل حم تنزيل الكتاب. و{مِنَ اللَّهِ} صلة للتنزيل. وإن جعلتها تعديدا للحروف كان {تَنْزِيلُ الْكِتابِ} مبتدأ. والظرف خبرا {إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} يجوز أن يكون على ظاهره. وأن يكون المعنى. إنّ في خلق السماوات لقوله: {وَفِي خَلْقِكُمْ} فإن قلت: علام عطف {وَما يَبُثُّ} أعلى الخلق المضاف؟ أم على الضمير المضاف إليه؟ قلت: بل على المضاف. لأن المضاف إليه ضمير متصل مجرور يقبح العطف عليه: استقبحوا أن يقال: مررت بك وزيد. وهذا أبوك وعمرو. وكذلك إن أكدوه كرهوا أن يقولوا: مررت بك أنت وزيد. قرئ: {آيات لقوم يوقنون} بالنصب والرفع. على قولك: إنّ زيدا في الدار وعمرا في السوق. أو عمرو في السوق. وأمّا قوله: {آيات لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} فمن العطف على عاملين. سواء نصبت أو رفعت. فالعاملان إذا نصبت هما: إن. وفى: أقيمت الواو مقامهما. فعملت الجر في {اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ}. والنصب في {آيات} وإذا رفعت فالعاملان: الابتداء وفي: عملت الرفع في {آيات}. والجر في {وَاخْتِلافِ} وقرأ ابن مسعود: {وفي اختلاف الليل والنهار}. فإن قلت: العطف على عاملين على مذهب الأخفش سديد لا مقام فيه. وقد أباه سيبويه. فما وجه تخريج الآية عنده؟
قلت: فيه وجهان عنده. أحدهما: أن يكون على إضمار في. والذي حسنه تقدّم ذكره في الآيتين قبلها. ويعضده قراءة ابن مسعود. والثاني: أن ينتصب {آيات} على الاختصاص بعد انقضاء المجرور معطوفا على ما قبله أو على التكرير. ورفعها بإضمار هي: وقرئ: {واختلاف الليل والنهار} بالرفع. وقرئ: {آية} وكذلك {وما يبث من دابة} آية. وقرئ {وتصريف الريح} والمعنى: إنّ المنصفين من العباد إذا نظروا في السماوات والأرض النظر الصحيح. علموا أنها مصنوعة. وأنه لابد لها من صانع. فآمنوا باللّه وأقرّوا. فإذا نظروا في خلق أنفسهم وتنقلها من حال إلى حال وهيئة إلى هيئة. وفي خلق ما على ظهر الأرض من صنوف الحيوان: ازدادوا إيمانا. وأيقنوا وانتفى عنهم اللبس. فإذا نظروا في سائر الحوادث التي تتجدّد في كل وقت كاختلاف الليل والنهار ونزول الأمطار وحياة الأرض بها بعد موتها {وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ} جنوبا وشمالا وقبو لا ودبورا: عقلوا واستحكم علمهم وخلص يقينهم. وسمى المطر رزقا. لأنه سبب الرزق تِلْكَ إشارة إلى الآيات المتقدّمة. أي: تلك الآيات آيات اللّه. ونَتْلُوها في محل الحال. أي: متلوة {عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} والعامل ما دل عليه تلك من معنى الإشارة. ونحوه: {هذا بَعْلِي شَيْخًا} وقرئ: {يتلوها} بالياء {بَعْدَ اللَّهِ وآياته} أي بعد آيات اللّه كقولهم: أعجبني زيد وكرمه. يريدون: أعجبني كرم زيد. ويجوز أن يراد: بعد حديث اللّه. وهو كتابه وقرأنه. كقوله تعالى. {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ}. وقرئ {يُؤْمِنُونَ} بالتاء والياء.

.[سورة الجاثية: الآيات 7- 10].

{وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيات اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتنا شَيْئًا اتَّخَذَها هُزُوًا أولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ ولا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئًا ولا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أولياءَ ولهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (10)}.
الأفاك: الكذاب. والأثيم: المتبالغ في اقتراف الاثام يُصِرُّ يقبل على كفره ويقيم عليه.
وأصله من إصرار الحمار على العانة وهو أن ينحى عليها صارّا أذنيه {مُسْتَكْبِرًا} عن الإيمان بالآيات والإذعان لما ينطق به من الحق. مزدريا لها معجبا بما عنده. قيل: نزلت في النضر بن الحرث وما كان يشترى من أحاديث الأعاجم. ويشغل الناس بها عن استماع القرآن.
والآية عامّة في كل ما كان مضارّا لدين اللّه. فإن قلت: ما معنى ثم في قوله: {ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا}؟
قلت: كمعناه في قول القائل:
يرى غمرات الموت ثمّ يزورها

وذلك أنّ غمرات الموت حقيقة. بأن ينجورائيها بنفسه ويطلب الفرار عنها. وأمّا زيارتها والإقدام على مزاو لتها. فأمر مستبعد. فمعنى ثم: الإيذان بأن فعل المقدّم عليها بعد ما راها وعاينها. شيء يستبعد في العادات والطباع. وكذلك آيات اللّه الواضحة الناطقة بالحق. من تليت عليه وسمعها: كان مستبعدا في العقول إصراره على الضلالة عندها واستكباره عن الإيمان بها كَأَنْ مخففة. والأصل كأنه لم يسمعها: والضمير ضمير الشأن. كما في قوله:
كأن ظبية تعطوإلى ناضر السّلم

ومحل الجملة النصب على الحال. أي: يصير مثل غير السامع {وَإِذا} بلغه شيء من آياتنا وعلم أنه منها {اتَّخَذَها} أي اتخذ الآيات {هُزُوًا} ولم يقل: اتخذه. للإشعار بأنه إذا أحس بشيء من الكلام أنه من جملة الآيات التي أنزلها اللّه تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم: خاض في الاستهزاء بجميع الآيات. ولم يقتصر على الاستهزاء بما بلغه. ويحتمل: وإذا علم من آياتنا شيئا يمكن أن يتشبث به المعاند ويجد له محملا يتسلق به على الطعن والغميزة: افترصه واتخذ آيات اللّه هزوا. وذلك نحوافتراص ابن الزبعرى قوله عز وجل: {إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} ومغالطته رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. وقوله: خصمتك. ويجوز أن يرجع الضمير إلى شيء. لأنه في معنى الآية كقول أبى العتاهية:
نفسي بشيء من الدنيا معلّقة ** الله والقائم المهدي يكفيها

حيث أراد عتبة.
وقرئ: {علم} {أولئِكَ} إشارة إلى {كل أفاك أثيم} لشموله الأفاكين. والوراء اسم للجهة التي يواريها الشخص من خلف أوقدام. قال:
أليس ورائي أن تراخت منيّتى ** أدب مع الو لدان أزحف كالنّسر

ومنه قوله عز وجل: {مِنْ وَرائِهِمْ} أي من قدّامهم {ما كَسَبُوا} من الأموال في رحلهم ومتاجرهم {ولا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ} من الأوثان.

.[سورة الجاثية: آية 11].

{هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بآيات رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11)}.
{هذا} إشارة إلى القرآن. يدل عليه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بآيات رَبِّهِمْ} لأن آيات ربهم هي القرآن. أي هذا القرآن كامل في الهداية. كما تقول: زيد رجل. تريد كامل في الرجو لية.
وأيما رجل. والرجز: أشد العذاب. وقرئ بجر {أليم} ورفعه.

.[سورة الجاثية: الآيات 12- 13].

{اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ ولتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ولعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لآيات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)}.
{ولتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} بالتجارة أوبالغوص على اللؤلؤ والمرجان واستخراج اللحم الطري وغير ذلك من منافع البحر. فإن قلت: ما معنى مِنْهُ في قوله: {جَمِيعًا مِنْهُ} وما موقعها من الإعراب. قلت: هي واقعة موقع الحال. والمعنى: أنه سخر هذه الأشيئاء كائنة منه وحاصلة من عنده. يعنى: أنه مكوّنها وموجدها بقدرته وحكمته. ثم مسخرها لخلقه. ويجوز أن يكون خبر مبتدإ محذوف. تقديره: هي جميعا منه. وأن يكون {وَسَخَّرَ لَكُمْ} تأكيدا لقوله تعالى: {سَخَّرَ لَكُمْ} ثم ابتدئ قوله: {ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} وأن يكون {ما فِي الْأَرْضِ} مبتدأ. ومِنْهُ خبره. وقرأ ابن عباس رضي اللّه عنهما: منة. وقرأ سلمة بن محارب: منه. على أن يكون منه فاعل سخر على الإسناد المجازى. أو على أنه خبر مبتدإ محذوف. أي: ذلك. أوهو منه.